الجمعة، 14 ديسمبر 2018

القهوة العمانية

القهوة هو أحد الجوانب الأساسية والمهمة في الضيافة لدى المجتمعات العربية بشكل عام والمجتمع العماني بشكل خاص حيث يشيع إعداد القهوة وشربها بين الرجال والنساء، ويتمتع الناس من مختلف شرائح المجتمع بتقديمها في المناسبات الاجتماعية واللقاءات العائلية والمجالس العامة والبيوت والأسواق والمقاهي وغيرها من الأماكن التقليدية.
ولا تزال القهوة عند العُمانيين عنوانا للأصالة والكرم ومرادفة لحسن الضيافة والقيم الأصيلة وهي تراث عميق ارتبط بالعماني في حله وترحاله وغناه وفقره وأفراحه وأتراحه، بل إن كثيرا منهم تعد القهوة عنده مفتاح نهاره وراحة منتصفه وجليسة رواحه، وهي بسننها وطقوسها عادة لها احترامها تتوارثها الأجيال ويحافظ عليها ويتعلمها الأبناء في مجالس آبائهم وعائلاتهم وقبيلتهم، وفي طريقة إعدادها تفرد يختلف من بلد لآخر، وللقهوة العمانية مذاقها الخاص وقواعدها وأسلوبها وبدونها كأن الضيف لم يتم استقباله ولم يقدم له واجب الضيافة.
ويقول إبراهيم بني عرابة: “لأهميتها باعتبارها جزءا من التراث الثقافي وحرص المجتمع على تواجدها ضمن ممارساتهم اليومية والحفاظ على طرق تحضيرها وتوارث عاداتها وتقاليدها، أقرت اللجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي باليونيسكو تسجيل القهوة العربية في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونيسكو ضمن ملف مشترك تقدمت به السلطنة ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة قطر خلال اجتماع اللجنة العاشر الذي اقيم في العاصمة الناميبية ويندهوك في الفترة من 29 نوفمبر إلى 4 ديسمبر عام 2015م بحضور ممثلين عن 175 دولة”.
وأوضح إبراهيم بني عرابة في تصريح لوكالة الانباء العمانية: أنه “بحسب الملف الذي اعتمد والمقدم من الدول الأربع فإنه قد تم تطبيق المعايير الأربعة على عنصر القهوة، وهي المعايير الأساسية التي وضعتها اتفاقية اليونسكو لعام 2003م والتي صنفت القهوة بأنها عنصر من التراث الثقافي غير المادي ضمن الممارسات الاجتماعية، والطقوس والأحداث الاحتفالية ، كما أنها تنطوي في بعض ما يرتبط بها على مجال الحرف التقليدية من خلال مجموعة من الأدوات المستخدمة لإعداد وتقديم القهوة، بالإضافة الى ارتباطها بالتقاليد الشفوية وأشكال التعبير نظرا للروايات والقصص التي ترافق تحضير وتناول القهوة”.
ومن حبوب البن التي تجلب من مناطق مختلفة من دول العالم مثل اليمن واثيوبيا وسريلانكا والهند والبرازيل وغيرها كانت عملية تحضير القهوة تتم امام الضيوف في المجالس حيث يتم وضع حبوب البن في مقلاة (محماس) كبير من الحديد المسطح، ويتم تحميصها برفق على النار بدرجات متفاوتة حسب النكهة المطلوبة وذلك بتحريكها بطريقة معينة باستخدام أداة حديدية أو خشبية صغيرة مع نهاية مدورة أو مربعة، ثم يتم وضع البن في (الموقعة) وهي من الخشب أو المعادن على شكل دائري مقعر من الداخل وتطحن بواسطة (هاون أو مدق) معدني لطحنها لتصبح ناعمة، ثم يضاف البن المطحون بقدر معلوم الى الماء المغلى في وعاء نحاسي على النار لدقائق معدودة يقدرها صانعها ثم تسكب في وعاء القهوة الذي يسمى (دلة) وهي الأداة التي تحفظ فيها القهوة ساخنة، لتسكب بعد ذلك في أكواب صغيرة (فجان/فنجال) لتقديمها للضيوف، حيث يكون طعم القهوة العربية قليل المرارة، ويضاف في أحيان كثيرة اليها الهيل أو الزعفران أو ماء الورد أو بعض التوابل مثل القرنفل وتقدم غالبا بصحبة التمر أو الحلوى.
وفي محافظات السلطنة يتم تقديم القهوة بعد أن يتبادل المضيف والضيف سؤالا قصيرا عن الأخبار التي يمكن أن يكون قد أتى بها الضيف أو يعرفها المضيف، وعادة ما تكون الإجابة من الطرفين مطمئنة، بها من الثناء والحمد الكثير، ثم يتم تقديم ما تيسر من التمر أو الحلوى أو الفواكه والحلويات قبل شرب القهوة.
ويقول حمد بن محمد الفارسي من محافظة جنوب الشرقية: إنه “عندما يأتي دور تقديم القهوة فإنها تخضع لتقاليد دقيقة أشبه ما تكون بالقوانين تحكم المضيف والضيف معا، ولا يجوز الإخلال بها، ولهذا تراعى فيها كل المعايير والنظم والتقاليد والآداب الاجتماعية المتوارثة التي يحترمها الجميع ويحرص العمانيون والعرب بشكل عام على ترسيخها في نفوس أبنائهم وتعليمها لهم وتتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل وذلك من خلال مجالسهم التي تكون القهوة حاضرة فيها دائما”.
ويضيف الفارسي: إنه “عند تقديمها للضيف يجب أن تكون ساخنة صافية في دلتها ويكون المقهوي وهو من يقدمها من أبناء المضيف أو أحد أقربائه ممن لديه الخبرة في عادات تقديمها أو المضيف بنفسه، ويجب على المقهوي أن يعرف مكان وقوفه أمام الضيف، ولا يحجب الرؤية عنه، ولمن يقدمها من الجالسين أولا حسب أصولها، حيث يمسك الدلة باليد اليسرى والفناجين على راحة اليد اليمنى مع وضع الفنجان الأول الذي ستصب فيه القهوة بين أصابع الابهام والسبابة والوسطى ليسهل على الضيف تناوله والامساك به، وينحني المقهوي قليلا ليصبح الفنجان أدنى من صدر الضيف وفي متناول يده، وتكون كمية القهوة المقدمة لا تتجاوز رشفتين صغيرتين أو ثلاث بحيث تغطي كمية القهوة قاع الفنجان بارتفاع بسيط، ويجب على المقهوي ألا يتوقف عن صب القهوة للضيف حتى تصدر منه إشارة الانتهاء وهي إما لفظا أو بهز الفنجان بيده اليمنى للمقهوي الذي يجب عليه أن يحرص على الضيف بأن يطلب منه زيادة شرب فنجان آخر اكراما له، وإن أبى ابتعد المقهوي”.
وأوضح أن على الضيف واجبات هو الآخر، فمن العرف أن يتناول القهوة باليد اليمني وهو جالس باحترام والتصرف بغير ذلك مخالفا لآداب الضيافة العمانية، وفي ذلك يقول الشاعر: اللي يريد الكيف يرخي يساره ويقعد على حيله ويأخذ بيمناه، كما على الضيف ألا ينشغل بالحديث ويترك المقهوي واقفا لفترة طويلة وأن يعيد الفنجان إلى المقهوي بحيث لا يضعه في مكان ما بعد الانتهاء من شرب القهوة، كما أن عليه بعد الاكتفاء من أن يأتي بإشارة إلى انتهائه وذلك إما لفظا مع هز الفنجان أو بهز الفنجان والتعبير عن شكره لصباب القهوة”.
وقال: إنه “في الوقت الحاضر تطورت صناعة القهوة بدخول الأجهزة والأدوات الحديثة الى المنازل واختلفت أدواتها، وأصبحت تباع جاهزة في المحلات التجارية، وبقيت عاداتها العريقة وفنون صنعها وسنن تقديمها راسخة في المجتمع العماني، وأصبح الضيف لا يسمع صوت دق حبوب البن أو رائحتها عند تحميسها وانما تقدم اليه جاهزة في أي وقت، وفي ذلك يقول الشاعر:
لا دق بنها ولا ظهر مايوبها
لمن دريشة روزنة لهوبها”.
وحول الأولوية في من لهم الأحقية في الحصول على الفنجان الأول عند تقديم القهوة فيقول حمد بن محمد الفارسي: إنها تقدم أولا للضيف اذا كان رجلا واحدا، أما إذا كان الضيوف أكثر من شخص فإنها تقدم أولا الى من يتقدمهم دخولا ويتصدرهم مجلسا ومكانة أو الى الأكبر سنا وتدار بعد ذلك يمينا، او يسارا حسب مكانة وكبر سن الضيوف ثم تعود يمينا، وهم عندما يتم تقديم القهوة فانهم يتبادلون لفظا وحركة افضلية التقديم ويتعازمون فيما بينهم في من يشربها أولا حتى تستقر عند من له الأولوية في تناول الفنجان الأول، ثم بعد ذلك تدار يمينا، وإذا ما دخل بعد الانتهاء من تقديمها ضيف جديد فإنها تقدم له أينما كان مجلسه”.
وللقهوة في دواوين الشعر العماني أو عند حفاظ الشعر وفي الأمثال والفنون التقليدية الكثير من الأبيات الشعرية الجميلة يحفظها عشاقها ويتغنون بها ومنها قول الشاعر مبارك بن مسلم بن ربيع الصلتي من قصيدة له:
يا ســــاقي القهــوة تفضّل صــبّها
غـــنـّم من الـــدّلــه ثـــلاثة واربـعه
شربة فناجـــينٍ فـــــوادي صــبّها
ترجـــع إلى راسي فــكرته وربــعه
هايم متـيّم ما ببتــعــد عن شــربها
مهــجـة فوادي في هـواها مولّـعه
فيها المنافــع غالبه عن شــربها
لهجرتها جســـمي حـــراره مولّـعه
وقولهم في الأمثال الشعبية (اللي ما عنده دله ما حد يندله) أي أن الذي ليس لديه دلة بها قهوة فلا أحد يعرفه ولا يُعرف له مكان، وأيضا قولهم (فوت رحلة مصر ولا تفوت قهوة العصر).                                                   


القهوة العمانية عادات وأصول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق