اتَّصف العمانيُّ عبر التاريخِ بصفاتٍ يفاخرُ بها ويعتز، ويسمو بها ويتباهى، إذ هي صفاتٌ تدل على كرامةِ منبتهِ، وأصالةِ معدنه، وحسن سيرته، ولطف شخصيته. هي صفاتٌ لطالما امتدحها غير العمانيين واستشهدوا بها في أحداثٍ وأحاديث وأكبرُ وسامٍ يتزيَّا به العمانيُّون مدح النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم لهم بقوله لرجل بعثه إلى حيٍّ من أحياء العرب فسبوه وضربوه: "لو أن أهل عمان أتيت، ما سبُّوك ولا ضربوك". وذلك للأخلاق الرفيعة التي عُرفت عنهم بين العربِ وإلاّ لما انتقاهم عليه أفضل الصلاةِ والسلامِ في معرضِ التخصيص.
كم نفاخرُ بأصالةِ انتمائنا لمجتمعٍ عريقِ التاريخِ، كريمِ القيمِ، رفيعِ الهممِ، ونزدهي ألقاً ونحنُ نسمع ثناءً من زائرٍ لعمان أو مقيمٍ بها يتحدَّث أول ما يتحدّث عن خُلُق العماني ودماثةِ طبعه، وصدقِ عاطفته، ووضوحِ تعامله، وهو ما يراه عالمٌ معروف كالشيخ سلمان العودة أنّه "رصيد أخلاقيٌّ نابعٌ من التراث العربي الإسلامي والفطري" ما يعني أنّه ليس وليدَ التصنُّع، وليس ناتجَ زمنٍ بعينه، بل هو متأصِّلٌ في أعراق الهويَّةِ، ممتزج بأوصالها، متوهّجٌ في سيرتها خاصّة بعد أن احتلت عمان والعمانيون مكانةً خاصة في تاريخِ بدايات الإسلام.
وحين نتحدث عن سموِّ الأخلاقِ فإن ذلك لا يستثني فئاتٍ خرجتَ من جسدِ هذا المجتمعِ، فإذا هي نشازٌ على السياق الجمعي للأخلاق وهذا أمرٌ يحدثُ في جميعِ المجتمعات إلاّ أنّه يبعث على التحسّرِ والغصّة. لقد تكشّفت الفترة الأخيرة عن ألوانٍ شتّى لأطيافٍ تختلفُ في أفكارها وتطلعاتها إلاّ أنّها وجدت سياقاً واحداً تتّبعه هو سياق التخريب، وهذا انقسمَ إلى صنفين: تخريبٌ ماديُّ تمثّل في حرق المنشآتِ،وإغلاقِ الشوارعِ، وتعطيلِ المؤسسات. وتخريب معنوي تمثّل في الأفكارِ التي لا تتّفق مع هويّة المجتمعِ وسيرورته السياسيّةِ والاجتماعية، وطريقةٌ في التعبيرِ تمرّدت على الأدبِ الرفيعِ والأخلاق الفاضلة.
فليس من خُلق العماني التطاول على أصحاب الفضلِ والتنكر للإحسان فهو إنسان - في العموم - يجازي بالإحسانِ إحساناً، فلا يغدرُ بما أحسنَ إليهِ معروفاً، ولا يتنكّرُ لمن أسدى إليه نعمةً، وألبسهُ فضلاً. لكنَّ لا غرابةَ لمن يتنكّرُ لنعمةِ لخالقهِ بوجوده أن يتنكّرَ لأفضال النّاس بجحودهِ..! فهل يُؤمَنُ جانبَ هذا المدّعي الناعقِ إن لم يعترف بإحسانِ أربابِ الفضلِ والنِّعمةِ عليه؟!.
ليس من أخلاق العماني أن يتعالى على من هو أكبرُ منه سنّاً، فما ذلك إلا ترفّعاً زائفاً، وغروراً واهما..!ّ لقد روي لنا الكثير من نماذج التعالي في الخطابِ، والتدنيِّ في الأسلوبِ على أُناسٍ يعدُّون أهل حكمةٍ ورشادٍ، حتى أصبح بعض المتطاولين يشيرون إليهم بأصابعهم يريدون غرسها في أعينهم..! بل أنَّ رجلاً صاحب حلمٍ وعلمٍ أخبرني بأنّه وبعضُ أهل الحكمةِ والرأي نجوا بجلودهم مما كان يرمى عليهم من الحجارةِ وغيرها ويضيفُ لو لم ننج بأنفسنا - نحن الذين ذهبنا للتحاور معهم- لانتهى أمرنا ..! فلا والله لا تكونُ أخلاقُ العماني على هذه الشاكلة المنفِّرة..!
ليس من أخلاقِ العمانيِّ أن يشمتَ بالضِّيفِ ويسفّهه ويستحقره وقد جاءَ متجشّماً عناءَ المسافةِ مُرسلاً لقضاء مصلحةٍ ورأب صدع وتبيان أمر..َ! وإذا كان ذلك الأسلوب من أبخس الأساليبِ وأحقرها .. فماذا لو أن من يقاطعُ حديث الضّيفِ بأصواتٍ سوقيّةٍ هازئةٍ يمتهنُ مهنةً من أشرف المهنِ على وجهِ الأرض؛ مهنة التعليم ..! كيف لهذا أن يربِّي جيلاً وهو يسفّهُ من جاءهُ إلى دارهِ متحاوراً معه؟! ماذا لو سمعه أحد طلاّبه فطبَّقه عليه في شرحهِ للدرسِ التالي..؟!
يا أيُّها الرَّجُلُ المعلّمِ غيرهُ .. هلاّ لنفسكَ كان ذا التعليمُ
تصفُ الدَّواءَ لذي السِّقام وذي الضَّنى.. كيما يصحُّ به وأنت سقيمُ
ليس من أخلاقِ العماني أن لا يصغِ إلى متحدِّثهِ، فيفهمُ منه ويعي، ويتبادلُ معه الحوار المتسلسلَ في ساقيةِ الأدبِ والإحترام مبتعداً عن الأحجارِ الصلبةِ، الجارحة فيه وهي ما نعني بها الكلمات الفظة التي تورث في النفس أذىً وتحرُّقاً..! لكن البعض قد تمادى في همزه ولمزه ومجاهرته بالسوء من القولِ وهو غير غافلٍ بأن أسلوباً كهذا لا يعينُ على هدي بصيرةٍ، ولا خلقِ اقتناع..!
ليس من أخلاقِ العماني أن يعمدَ إلى العبارةِ المشينةِ ليجعلها شعاراً، ولا الكلمةِ الدنيئة ليشيعها دماراًً، ولا العبارة الدنيئة ليعليها قراراً ..! فهو وإن كان صاحب حقِّ مشروعٍ فإن شرعيةَ هذا الحقِّ ستنقلبُ رأساً على عقب، ولا يعود لشخصهِ مصداقيةٌ أو ثقةٌ بين النّاس النابهين، الذين يميزون بين الحق والباطل. فأحرى بالحقَّ أن يُرفعَ بالأسلوبِ الحسنِ، والعبارةِ البيِّنةِ الواضحة، تغلّفه النيّة الصادقة. إن الأنامل التي خطّت عباراتٍ مذمومةٍ ورفعتها أمام أبصارِ النّاس كان خيراً لها لو كتبت عبارةً حميدةً ترفعُ من شأنه، وتردّدها الأجيال، فتصبح ضمن مفرداتِ ثقافتها..!
ليس من أخلاق العماني أن يعمدَ إلى تخريب ممتلكاتٍ عامة، وتعطيل مصالح مجتمع. قال لقمان لابنه: "يا بني: بئراً شربت منه لا ترمِ فيه حجراً ..!. منذ أسبوعين اتصل بي الشيخ أحمد الكبيسي فكان مما قاله لي في حديثنا "إن من يسعى إلى التخريب وقد تحققت مطالبه يتّبع طريق الغوغائيين". فهل يعمدُ إلى هدمِ لبنةٍ من لبناتِ صروحِ هذا الوطن إلاّ من وسوست له نفسه بالسوء..؟!
ليس من أخلاق العماني أن يقطعَ طريقاً فينتجَ عنها تضييقاً لمعاش الآخرين، وتعطيلاً لقضاءِ مصالحهم، فإذا كان الإسلامُ قد منع الجلوس على الطريق إلاّ بشروط فكيف هو الأمر بقطعها..؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إياكم والجلوس على الطرقات، قالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: فإن أبيتم إلاّ المجالس، فاعطوا الطريق حقها، قالوا وما حق الطريق؟ قال: غضُّ البصرِ، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، وأمرٌ بالمعروف، ونهي عن المنكر".
نعم هي مباديء نؤمنُ بها وليست شعاراتٌ فارغة تلك التي تحثُّ على التغيير المستمر، فأمّةٌ مستقرَّةٌ في مكانها أمّة هي في الحقيقة متقهقرة وليست ساكنة وحسب. كما أنّ الإصلاح ليس شعارَ نخبةٍ إنّما هو أصلُ الأرض من خلقها يقول تعالى" وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا "الأعراف-56، وهو هدي النبيّين والمرسلين، يقول جل شأنه " إِنْ أُرِيدُ إِلاّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلاّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"هود-88، إنّما التغيير مقاصدٌ ومذاهب، يقول سعود العنسي في كتابه العادات العمانية": فالتغير المسبب للفرقة والاختلال والتفكك الاجتماعي أمرٌ مرفوض، أمّا التغييرات التي من شأنها تدعيم الوحدة الوطنية والنهوض بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمجتمع فإنها تعدُّ هدفاً قومياً تصبو إليه البلاد لمواكبة التقدم العالمي ومسايرة ظروف العصر"
إن عمان ستظلُّ شامخةً بعطاءاتها التاريخية، وأبنائها الأبرار، تمضي واثقة الخطى وهي تردّد دعاء المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام"طوبى لمن آمن بي ورآني، وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني ولم ير من رآني وسيزيد الله أهل عمان إسلاما" .. أمّا من تخلّف عن جلال الخُلُق العماني الفريدِ، وانسلخَ من رداءِ الإنسان العماني المجيد فقد هَتكَ ستره واختار لقدره مكانةً منبوذةً. فالمحبُّ لعمانَ هو المتحلِّي بجلالِ هيبتها، وبفرادةِ الخلق العماني الأشم، هو الحكيمُ قولاً، القويمُ فعلاً، الرشيدُ منهجاً، اللِّينُ سريرةً، اللّطيفُ لساناً، الكيِّسُ خطاباً، الرفيعُ نظرةً، الرزينُ أدباً، المتّزنُ هيئةً، المستقيمُ فكراً، المترفّعُ تنزّهاً، الخافض تواضعاً، العالي همّةً، الهادئِ صوتاً، الراقي أُسلوباً، الطالبُ مجداً، الحافظ وعداً، الناظرُ بعداً. هذه بعضُ صفات العماني في عموميته وهي لعمري نتاجٌ موروثٍ عريق فمن أحبَّ عمان تمسّك بأخلاقها، وتعلَّق بميزاتها أياً كانت الظروف والأحوال والمتغيرات. فهي موئل الفضائل كما يعبر الشيخ سلمان العودة قائلاً:
وفيك عمان أخلاق.. توارث مجدها العربُ
إن للعمانيِّ أخلاقٌ هي إرثُ تاريخه، ومصدرُ عزّتهِ، وموطنُ افتخاره، وسمةُ هويّتهِ، وجوازُ سفرهِ، ودليل انتمائهِ فإنّ حافظ عليها بقي وإن تنازل عنها انتهى أمره، يقول أحمد شوقي:
كذا الناس بالأخلاق يبقى صلاحهم.. ويذهب عنهم أمرهم حين يذهبُ.
كم نفاخرُ بأصالةِ انتمائنا لمجتمعٍ عريقِ التاريخِ، كريمِ القيمِ، رفيعِ الهممِ، ونزدهي ألقاً ونحنُ نسمع ثناءً من زائرٍ لعمان أو مقيمٍ بها يتحدَّث أول ما يتحدّث عن خُلُق العماني ودماثةِ طبعه، وصدقِ عاطفته، ووضوحِ تعامله، وهو ما يراه عالمٌ معروف كالشيخ سلمان العودة أنّه "رصيد أخلاقيٌّ نابعٌ من التراث العربي الإسلامي والفطري" ما يعني أنّه ليس وليدَ التصنُّع، وليس ناتجَ زمنٍ بعينه، بل هو متأصِّلٌ في أعراق الهويَّةِ، ممتزج بأوصالها، متوهّجٌ في سيرتها خاصّة بعد أن احتلت عمان والعمانيون مكانةً خاصة في تاريخِ بدايات الإسلام.
وحين نتحدث عن سموِّ الأخلاقِ فإن ذلك لا يستثني فئاتٍ خرجتَ من جسدِ هذا المجتمعِ، فإذا هي نشازٌ على السياق الجمعي للأخلاق وهذا أمرٌ يحدثُ في جميعِ المجتمعات إلاّ أنّه يبعث على التحسّرِ والغصّة. لقد تكشّفت الفترة الأخيرة عن ألوانٍ شتّى لأطيافٍ تختلفُ في أفكارها وتطلعاتها إلاّ أنّها وجدت سياقاً واحداً تتّبعه هو سياق التخريب، وهذا انقسمَ إلى صنفين: تخريبٌ ماديُّ تمثّل في حرق المنشآتِ،وإغلاقِ الشوارعِ، وتعطيلِ المؤسسات. وتخريب معنوي تمثّل في الأفكارِ التي لا تتّفق مع هويّة المجتمعِ وسيرورته السياسيّةِ والاجتماعية، وطريقةٌ في التعبيرِ تمرّدت على الأدبِ الرفيعِ والأخلاق الفاضلة.
فليس من خُلق العماني التطاول على أصحاب الفضلِ والتنكر للإحسان فهو إنسان - في العموم - يجازي بالإحسانِ إحساناً، فلا يغدرُ بما أحسنَ إليهِ معروفاً، ولا يتنكّرُ لمن أسدى إليه نعمةً، وألبسهُ فضلاً. لكنَّ لا غرابةَ لمن يتنكّرُ لنعمةِ لخالقهِ بوجوده أن يتنكّرَ لأفضال النّاس بجحودهِ..! فهل يُؤمَنُ جانبَ هذا المدّعي الناعقِ إن لم يعترف بإحسانِ أربابِ الفضلِ والنِّعمةِ عليه؟!.
ليس من أخلاق العماني أن يتعالى على من هو أكبرُ منه سنّاً، فما ذلك إلا ترفّعاً زائفاً، وغروراً واهما..!ّ لقد روي لنا الكثير من نماذج التعالي في الخطابِ، والتدنيِّ في الأسلوبِ على أُناسٍ يعدُّون أهل حكمةٍ ورشادٍ، حتى أصبح بعض المتطاولين يشيرون إليهم بأصابعهم يريدون غرسها في أعينهم..! بل أنَّ رجلاً صاحب حلمٍ وعلمٍ أخبرني بأنّه وبعضُ أهل الحكمةِ والرأي نجوا بجلودهم مما كان يرمى عليهم من الحجارةِ وغيرها ويضيفُ لو لم ننج بأنفسنا - نحن الذين ذهبنا للتحاور معهم- لانتهى أمرنا ..! فلا والله لا تكونُ أخلاقُ العماني على هذه الشاكلة المنفِّرة..!
ليس من أخلاقِ العمانيِّ أن يشمتَ بالضِّيفِ ويسفّهه ويستحقره وقد جاءَ متجشّماً عناءَ المسافةِ مُرسلاً لقضاء مصلحةٍ ورأب صدع وتبيان أمر..َ! وإذا كان ذلك الأسلوب من أبخس الأساليبِ وأحقرها .. فماذا لو أن من يقاطعُ حديث الضّيفِ بأصواتٍ سوقيّةٍ هازئةٍ يمتهنُ مهنةً من أشرف المهنِ على وجهِ الأرض؛ مهنة التعليم ..! كيف لهذا أن يربِّي جيلاً وهو يسفّهُ من جاءهُ إلى دارهِ متحاوراً معه؟! ماذا لو سمعه أحد طلاّبه فطبَّقه عليه في شرحهِ للدرسِ التالي..؟!
يا أيُّها الرَّجُلُ المعلّمِ غيرهُ .. هلاّ لنفسكَ كان ذا التعليمُ
تصفُ الدَّواءَ لذي السِّقام وذي الضَّنى.. كيما يصحُّ به وأنت سقيمُ
ليس من أخلاقِ العماني أن لا يصغِ إلى متحدِّثهِ، فيفهمُ منه ويعي، ويتبادلُ معه الحوار المتسلسلَ في ساقيةِ الأدبِ والإحترام مبتعداً عن الأحجارِ الصلبةِ، الجارحة فيه وهي ما نعني بها الكلمات الفظة التي تورث في النفس أذىً وتحرُّقاً..! لكن البعض قد تمادى في همزه ولمزه ومجاهرته بالسوء من القولِ وهو غير غافلٍ بأن أسلوباً كهذا لا يعينُ على هدي بصيرةٍ، ولا خلقِ اقتناع..!
ليس من أخلاقِ العماني أن يعمدَ إلى العبارةِ المشينةِ ليجعلها شعاراً، ولا الكلمةِ الدنيئة ليشيعها دماراًً، ولا العبارة الدنيئة ليعليها قراراً ..! فهو وإن كان صاحب حقِّ مشروعٍ فإن شرعيةَ هذا الحقِّ ستنقلبُ رأساً على عقب، ولا يعود لشخصهِ مصداقيةٌ أو ثقةٌ بين النّاس النابهين، الذين يميزون بين الحق والباطل. فأحرى بالحقَّ أن يُرفعَ بالأسلوبِ الحسنِ، والعبارةِ البيِّنةِ الواضحة، تغلّفه النيّة الصادقة. إن الأنامل التي خطّت عباراتٍ مذمومةٍ ورفعتها أمام أبصارِ النّاس كان خيراً لها لو كتبت عبارةً حميدةً ترفعُ من شأنه، وتردّدها الأجيال، فتصبح ضمن مفرداتِ ثقافتها..!
ليس من أخلاق العماني أن يعمدَ إلى تخريب ممتلكاتٍ عامة، وتعطيل مصالح مجتمع. قال لقمان لابنه: "يا بني: بئراً شربت منه لا ترمِ فيه حجراً ..!. منذ أسبوعين اتصل بي الشيخ أحمد الكبيسي فكان مما قاله لي في حديثنا "إن من يسعى إلى التخريب وقد تحققت مطالبه يتّبع طريق الغوغائيين". فهل يعمدُ إلى هدمِ لبنةٍ من لبناتِ صروحِ هذا الوطن إلاّ من وسوست له نفسه بالسوء..؟!
ليس من أخلاق العماني أن يقطعَ طريقاً فينتجَ عنها تضييقاً لمعاش الآخرين، وتعطيلاً لقضاءِ مصالحهم، فإذا كان الإسلامُ قد منع الجلوس على الطريق إلاّ بشروط فكيف هو الأمر بقطعها..؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إياكم والجلوس على الطرقات، قالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: فإن أبيتم إلاّ المجالس، فاعطوا الطريق حقها، قالوا وما حق الطريق؟ قال: غضُّ البصرِ، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، وأمرٌ بالمعروف، ونهي عن المنكر".
نعم هي مباديء نؤمنُ بها وليست شعاراتٌ فارغة تلك التي تحثُّ على التغيير المستمر، فأمّةٌ مستقرَّةٌ في مكانها أمّة هي في الحقيقة متقهقرة وليست ساكنة وحسب. كما أنّ الإصلاح ليس شعارَ نخبةٍ إنّما هو أصلُ الأرض من خلقها يقول تعالى" وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا "الأعراف-56، وهو هدي النبيّين والمرسلين، يقول جل شأنه " إِنْ أُرِيدُ إِلاّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلاّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"هود-88، إنّما التغيير مقاصدٌ ومذاهب، يقول سعود العنسي في كتابه العادات العمانية": فالتغير المسبب للفرقة والاختلال والتفكك الاجتماعي أمرٌ مرفوض، أمّا التغييرات التي من شأنها تدعيم الوحدة الوطنية والنهوض بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمجتمع فإنها تعدُّ هدفاً قومياً تصبو إليه البلاد لمواكبة التقدم العالمي ومسايرة ظروف العصر"
إن عمان ستظلُّ شامخةً بعطاءاتها التاريخية، وأبنائها الأبرار، تمضي واثقة الخطى وهي تردّد دعاء المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام"طوبى لمن آمن بي ورآني، وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني ولم ير من رآني وسيزيد الله أهل عمان إسلاما" .. أمّا من تخلّف عن جلال الخُلُق العماني الفريدِ، وانسلخَ من رداءِ الإنسان العماني المجيد فقد هَتكَ ستره واختار لقدره مكانةً منبوذةً. فالمحبُّ لعمانَ هو المتحلِّي بجلالِ هيبتها، وبفرادةِ الخلق العماني الأشم، هو الحكيمُ قولاً، القويمُ فعلاً، الرشيدُ منهجاً، اللِّينُ سريرةً، اللّطيفُ لساناً، الكيِّسُ خطاباً، الرفيعُ نظرةً، الرزينُ أدباً، المتّزنُ هيئةً، المستقيمُ فكراً، المترفّعُ تنزّهاً، الخافض تواضعاً، العالي همّةً، الهادئِ صوتاً، الراقي أُسلوباً، الطالبُ مجداً، الحافظ وعداً، الناظرُ بعداً. هذه بعضُ صفات العماني في عموميته وهي لعمري نتاجٌ موروثٍ عريق فمن أحبَّ عمان تمسّك بأخلاقها، وتعلَّق بميزاتها أياً كانت الظروف والأحوال والمتغيرات. فهي موئل الفضائل كما يعبر الشيخ سلمان العودة قائلاً:
وفيك عمان أخلاق.. توارث مجدها العربُ
إن للعمانيِّ أخلاقٌ هي إرثُ تاريخه، ومصدرُ عزّتهِ، وموطنُ افتخاره، وسمةُ هويّتهِ، وجوازُ سفرهِ، ودليل انتمائهِ فإنّ حافظ عليها بقي وإن تنازل عنها انتهى أمره، يقول أحمد شوقي:
كذا الناس بالأخلاق يبقى صلاحهم.. ويذهب عنهم أمرهم حين يذهبُ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق