الاثنين، 3 يونيو 2019

المندوس

كان ثمة فرق يعلمه العمانيون بين (المَندوس) و(السَّحَّارَه)، كان هناك فارق جوهري في الموضوع، وليس على مستوى الشكل فقط، وإلا فإن كل فرق بينهما من تشابه من حيث العموم يكاد لا يكون موجودا، فكلاهما مستطيل الشكل، وكلاهما له غطاء من الأعلى يأخذ شكلا مستطيلا، وكلاهما يتم وضع الأشياء فيه، وكلاهما يصنعهما نجار، وكلاهما يتم استخدامهما في البيت العماني، ولكنّ التاريخ ظل محتفظا بخصوصية ذات رمزية خاصة لـ (المندوس)، وأخرج (السحارة) من ذاكرة التاريخ الاجتماعي، اللهم إلا ما ندر.

ما الذي يجعل (المندوس) يحمل هذه الميزة الجوهرية في حضوره ورمزيته وأبعاده؟

من المهم معرفة أن أماكن وضع (المندوس)، والمناسبات المرتبطة به، وما يدور حوله من حكايات وقصائد تقال عامرة بها الذاكرة، وحضوره في البيئة المناسباتية والموضعية البيتية ذات نهج إجابيّ عن هذه التساؤلات.. في البيئة العمانية لا يمكن أن تذهب العروس إلى بيت زوجها من دون مندوسها، الذي يأتي العريس قبلا بـ (زهبتها) فيه، ليكون هو خزانة حياتها المستقبلية، وبيت خصوصيّتها بعد الزواج..

 (المندوس) تجاوز مفهوم الشكل المستطيل، ليدخل في جغرافيا التشكيل، فخشبه من الساج، والساج يؤتى به من بلدان شمال أفريقيا ومن الهند، و(المندوس) يتم (تنجيده)، ليكون لشكله بعد جمالي مختلف، و(التنجيد) هو تشكيل مساحات الواجهة فيه، والمساحات الفراغية على (بابه) أو غطائه، بنجوم تشبه الدبابيس ذات الرؤوس في وقتنا الحاضر، ولكنها كانت أكبر حجما في السابق، وأحيانا يتم التزيين بمسامير صغيرة للغاية، يدق دقها بعد تشكيل الفراغ الواجهي لـ (المندوس)، لتأخذ بعد الانتهاء منه شكلا ملفتا وجماليا رائعا.. 

(المندوس) غالي الثمن، ولا يقتنيه أيّ كان، وبالتالي فإن وجوده يقتصر على الأسر المقتدرة؛ لأن قيمته تكمن في خشبه القوي العصيّ على الزمن والتقادم والخراب، ويتميز بالمتانة التي تصل إلى حد عدم اختراق المياه سطحه وتخريب ما في بطنه من أشياء ثمينة للمرأة والرجل على حدّ سواء..

المندوس ليس مجرد شكل عام يرمز إلى حقبة زمنية عابرة في تاريخ مكان، بل هو نكهة صناعية خاصة، فيه تضع المرأة ما يخصها، فكل ما لا تريد إظهاره مما يدخل في حوزتها فإنه يكون هناك؛ ولأن ما فيه ثمين وغال، سواء من الناحية القيمية أو من الناحية الشخصية المعنوية، فإن المحافظة عليه في مكان بارز من ناحية ومحميّ من ناحية أخرى هو ما يجعله يأخذ هذه المساحة من الخصوصيّة. ولعل ذلك مهم في إعطاء المندوس حياته الواقعية؛ وهو أي (المندوس)، لا يرتبط بالمرأة فقط، فلأنه خزانة من حيث الدور، ومهم من الناحية الموثوقية، فقد استخدمه التجار أيضا، لحفظ أوراقهم وصكوكهم وأموالهم وما يشير إلى حقوقهم وخصوصياتهم أيضا.

(المندوس) ليس مجرد شكل حافظ، بل هو روح ثقافة، وقلب بشر كان جزءا ثمينا من وجودهم؛ ولأنه كذلك، فقد تجاوز زمنه، وصار جزءا من زمننا المعاصر، فهو رمز تجاري، ورمز تاريخي، ورمز استهلاكي حياتي، أي أنه ما زال جزءا من التاريخ، ممتدا على مدار أجيال من العمانيين.

نتيجة بحث الصور عن المندوس العماني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق